ENG
جميع القصص

نَرفُض / رَفَضنا: رؤى القيّمَين حول المعرض

23 ديسمبر 2025

بقلم ناديا رضوان وواصف كورتون

يأخذنا القيّمان ناديا رضوان وواصف كورتون في جولة عبر الأساليب والعمليات التي أسفرت عن الاحتفاء الواسع بالمقاومة في متحف من خلال معرض "نَرفُض / رَفَضنا".

المشاركة مع صديق

تكوّن معرض "نَرفُض / رَفَضنا" تدريجياً عبر حوار متواصل بين الفنانين والقيمين الفنيين، إذ لم ينبثق كنتيجة لخطة مسبقة ثابتة، بل من تطوّر طبيعي وتبادُل أفكار طوال عدة أشهر.

منذ البداية، ناقشنا صالون المرفوضين الشهير الذي أُقيم في باريس عام 1863، وهو معرض مضاد عرض أعمال كبار فناني الحداثة الغربية مثل غوستاف كوربيه، وإدوار مانيه، وكاميل بيسارو. شكّل هذا الصالون مساحة للرؤى البديلة خارج الفن الأكاديمي، والمعايير التقليدية، والخطابات السائدة، وسوق الفن.

ناقشنا دور الفن والمرجعيات الفنية السائدة آنذاك، والصالونات الفنية في تلك الفترة، وكيف أنها (كحال المعارض والمتاحف وصالات العرض الكبرى اليوم) غالباً ما تواطأت مع السلطة والمال والأيديولوجيات السائدة، أو اختارت الصمت والحياد، ما أدى إلى إخفاقها في إدراك صلتها الحقيقية بالمجتمع.

على مدى العقد الماضي، شهدت الدول الغربية استبعاداً أو رقابة على عدد متزايد من الفنانين في المعارض والبرامج العامة بسبب مواقفهم من الصراعات والحروب والانتفاضات السياسية. وفي سياق الانقسام الجيوسياسي الناتج عن حرب الإبادة على فلسطين، تعرض الفنانون والأكاديميون والكتاب والموسيقيون مؤخراً للتهميش، والرقابة، وتشويه السمعة، والتهديد، إلى جانب تداعيات مالية وقانونية وأخلاقية. وكانت المؤسسات الأكاديمية ووسائل الإعلام والأماكن الثقافية من أبرز من مارس هذا الترهيب والحظر.

ENG

خليل رباح، شهادات، 2024، ٨٠ رسماً منفذاً بالباستيل الزيتي على ورق، لكل منها 50 × 70 سم، بإذن من الفنان وغاليري سفير سملر، بيروت؛ هامبورغ.

صورة: علي الانصاري، بإذن من متاحف قطر، ©2025

ENG

وليد رعد، بالتعاون مع بيار هايغهبارت، ظننت أنني نجوت من مصيري (مرة أخرى)، 2025، منشأة متعددة الوسائط تشمل فينيل مركب وطبقات من الطلاء وأغراض متنوعة، بتكليف من متحف: المتحف العربي للفن الحديث، بإذن من الفنان وغاليري سفير سملر، بيروت؛ هامبورغ؛ وغاليري بولا كوبر، نيويورك.

صورة: علي الانصاري، بإذن من متاحف قطر، ©2025

ENG

نور شنتوت، خريطة جدتي المطرزة. كيف يحمي القماش منزلنا من سلسلة البحث عن الثوب الجديد، 2020–2022، صور بولارويد، 11.7 × 9.8 سم، بإذن من الفنانة.

صورة: علي الانصاري، بإذن من متاحف قطر، ©2025

ENG

خليل رباح، دليل، 2025، 140 × 280 سم، قطعة من الرخام المنحوت، 2 رافعات يدوية، منصة خشبية؛ بتكليف من متحف: المتحف العربي للفن الحديث؛ بإذن من الفنان وغاليري سفير سملر، بيروت؛ هامبورغ.

صورة: علي الانصاري، بإذن من متاحف قطر، ©2025

وكردّ فعل، قرر كثير من الفنانين الانسحاب من المعارض والفعاليات الثقافية، غالباً على حساب مساراتهم المهنية. وبينما يمثل الفن للبعض وسيلة صمود واستجابة عاجلة، فقد تؤدي الصدمات وفقدان الأمان أيضاً إلى "الرفض" أو العجز عن الإنتاج الفني أو البحثي أو الفكري. في هذا السياق، استندنا إلى مقال حنا أرندت لعام 1943 بعنوان "نحن اللاجئون" كمصدر إلهام، وقررنا اعتبار "الرفض" نوعاً من الفعل والمقاومة والإصلاح، ووسيلة لاستعادة الاستقلالية والقدرة على المبادرة.

ومنذ البداية، قررنا افتتاح المعرض بأعمال سامية حلبي، وأن نعيد النظر بطريقة ما في معرضها الفردي الذي أُلغي في متحف إسكينازي للفنون، جامعة إنديانا (2024). أردنا أن يكون المشروع قائماً على سرد متماسك ومتدفق ومتغير ومنسجم، لا على الدعاية المباشرة (وإن كانت الأخيرة مقبولة أحياناً). لكننا أردنا أن يكون معرضاً يتميز بالتنوع والتعقيد والاستجابات الدقيقة للظروف الحالية.

يرتبط المشروع بخيوط غير مرئية تجمع أجزاءه سوية. ومن أهم هذه الخيوط أن العديد من الفنانين يعملون أيضاً في صناعة الثقافة وبناء المؤسسات والمشارع الثقافية والفنية، ويولون اهتماماً كبيراً بالمكان والسياق والمجتمع، مثل جمعية الدراسات المناهضة للاستعمار في العمارة والفنون (دار) التي أسستها ساندي هلال وأليساندرو بيتي. من خلال الإقامة الفنية ومدرسة الشجرة ومشروعات أخرى،  وكذلك إميلي جاسر مع دار جاسر، وسهى شومان مع دارة الفنون، وخليل رباح مع الريواق، وياسمين عيد الصباغ مع المؤسسة العربية للصورة.

هناك عدد قليل من المؤسسات في أوروبا، ولا توجد أي مؤسسة في الولايات المتحدة يمكن أن تدعم مشروعاً مثل هذا. وكان متحف: المتحف العربي للفن الحديث المكان الأنسب. لم نكن نحاول أن نكون أبطالاً أو متحدين أو انتهازيين، بل أردنا ببساطة تقديم معرض مرتبط بالواقع والوقت الراهن. كنا نؤمن بأهمية استعادة استقلالية المعارض واستغلال إمكانياتها كوسيلة للتعبير بعيداً عن أي قيود أو وصفات مسبقة. وقد يكون من المناسب أن نطرح على المؤسسات حول العالم سؤالاً واحداً: "ماذا فعلتم عندما…؟" كما يوضح عمل وليد رعد وبيير هويغبيرت على الجدار، حيث يتكرر النص على جدار الفينيل عدة مرات: "أخبره القادة أنهم أرادوا تجنب اتخاذ موقف". فالمؤسسات يُقاس نجاحها بأفعالها أو بعدمها.

قررنا اعتبار "الرفض" نوعاً من الفعل والمقاومة والإصلاح، ووسيلة لاستعادة الاستقلالية والقدرة على المبادرة.

ناديا رضوان وواصف كورتون

يجتمع في المعرض فنانون من أربعة أجيال في تضامن حول ممارسات فنية متنوعة. نحاول من خلال أعمالنا الحفاظ على توازننا العقلي، وتعزيز شعور الانتماء المجتمعي، والتعبير عن أشكال متعددة من الخطاب الفني، مع التمسك بتاريخنا وإحيائه وإعادة قراءته من منظور الحاضر. يعمل تيسير البطنيجي، ومجد عبد الحميد، وعريب طوقان، وخليل رباح على المستوى الشخصي للحفاظ على ثباتهم واستقرارهم النفسي. بينما يعمل كل من نور شنتوت، وعبد الحي مسلم زرارة، وياسمين عيد الصباغ، ودار، وسهى شومان، وجمانة مناع، وإميلي جاسر، على مراجعة التاريخ على المستويين الفردي والجماعي؛ بهدف ربط الماضي بالحاضر والتواصل مع الواقع الحالي. كما يتعامل زرارة، ومناع، وطوقان أيضاً مع الشعر والكلمة المكتوبة، ما يشكّل جزءاً من الخيوط التي تربط مختلف أجزاء المعرض ببعضها.

بصفتنا قيّمين فنيين، أحدنا تركي والآخر مصري-سويسري، فإننا نعيش على هوامش هذا المشهد، أما الفنانون فقد عاشوا هذه التجارب بأنفسهم وما يزالون يعيشونها. رفضنا تقديم المعرض بطريقة تجعل المشاهد متفرجاً على معاناة الآخرين. وإن الخوض في تفاصيل السير الذاتية وقصص الخسارة الفردية سيكون بمثابة استعراض مفرط، وسيخلق فجوة كبيرة بين المعرض والمتلقي.

تجسد الأعمال في المعرض رفضاً جماعياً لسرديات الضحية، وتؤكد قدرة الفنان على المبادرة والفعل من خلال تعبيرات دقيقة وأحياناً شاعرية، تعبّر عن أشكال متعددة من المقاومة.

نبذة عن القيّمَين الفنيَّين

ناديا رضوان هي مؤرخة فنية وقيّمة فنية متخصصة في الحداثة، وتشغل حالياً رئاسة قسم الفنون البصرية في جامعة الفنون والتصميم – جنيف، وهي إحدى المؤسِّسات لمنصة "مناظر" للدراسات البصرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
واصف كورتون هو قيّم فني وكاتب تركي، معروف بكونه المدير المؤسس لكل من SALT وPlatform Garanti في إسطنبول، ولإشرافه على بينالي إسطنبول الثالث والتاسع، بالإضافة إلى بينالي تايبيه عام 2008.